هو حب ... كان حق حبا
لم أكن أعي وأنا صغير سبب تضايق والدي كلما تلقت أمي دعوة من عائلتنا لحضور عرس ،أوختان ، عقيقة ،او وكيرة .
كان يزعجه غيابها لدرجة أنه يتحول إلى إنسان أشبه بأخرس أبكم قلما يتكلم أو يتبسم،
إذلم يكن قادرا على إخفاء اكتئابه رغم الدعابات التي كانت تطلقها عمتي المقيمة معنا ،
بكل ما أوتيته من شيطنة وسلاطة لسان من عبارات و تعليقات كنا ننفجر بعدها ضحكا ،
عساها تخرجه من تجهمه وعبوسه وصومه عن الكلام.
هكذا تعودت أن أرى أبي بيننا عند غياب أمي ،
أداة غير صالحة للاستعمال،يهمل حتى قضاياالمتخاصمين، فلا هو يخرج للمحكمة ليباشر عمله كقاض، ولا هو يدخل مكتبته التي ماتعود أن يقضي فيها الساعات إلا وأمي على أريكة أمامه تبادله الرأي ، تبحث معه حلولالقضايا الناس ، تنقب في المراجع عن مدلول كلمة جنائية أو اجتهاد قضائي ..... .
تعود أمي فتعود البهجة إلى حياتنا ،ويصير أبي رجلا بشوشا ضاحكا ،يوزع البسمات والدروس، يرد على صاع تدخلات عمتي بالصاعين ،
وكثيرا بحكم صغري وتجوالي داخل البيت بلا قيد أواحتراس ،ما أضبطها تغني، أو ترقص له وهو هائم يرددمعها مقاطع من أغنيته المفضلة:
طال انتظارك في الظلام ولم تزل عيناي ترقب كلطيف عابر
أو أغنية أم كلثوم : سلوا كؤوس الطلا
بلغت عقدي الرابع وأحيل أبي على المعاش ، وظل والدي الرجل الذي يقلق لغياب أمي ،
كما ظلت هي المرأة التي تلازمه في مكتبته، ترقص له، و تغني طال انتظارك.
توفي والدي ، وما زالت أمي الى اليوم و قبل أن تخرج لتلبية دعوة ،تدخل مكتب أبي ، تحتضن صورته ، تتمتم وتتحرك في تثاقل وقبل أن تخرج من المكتب تمسح دمعات وحدي أعرف سببها
هو حب كان حقا حبا